فصل: تفسير الآية رقم (5):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (5):

{عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5)}:
قَوْلُهُ تَعَالَى: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى}.
الْمُرَادُ بِشَدِيدِ الْقُوَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُوَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ هَذَا الْوَحْيَ مَلَكٌ شَدِيدُ الْقُوَى هُوَ جِبْرِيلُ.
وَهَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ قَدْ تَضَمَّنَتْ أَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا الْوَحْيَ الَّذِي مِنْ أَعْظَمِهِ هَذَا الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ، عَلَّمَهُ جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَمْرٍ مِنَ اللَّهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ جِبْرِيلَ شَدِيدُ الْقُوَّةِ.
وَهَذَانَ الْأَمْرَانِ جَاءَا مُوَضَّحَيْنِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
أَمَّا الْأَوَّلُ مِنْهُمَا وَهُوَ كَوْنُ جِبْرِيلَ نَزَلَ عَلَيْهِ بِهَذَا الْوَحْيِ وَعَلَّمَهُ إِيَّاهُ، فَقَدْ جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ} الْآيَةَ [2/ 97] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} [26/ 192- 194] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} [20/ 114].
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [75/ 16- 18]، أَيْ إِذَا قَرَأَهُ عَلَيْكَ الْمَلَكُ الْمُرْسَلُ بِهِ إِلَيْكَ مِنَّا مُبَلِّغًا لَهُ عَنَّا فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ، أَيِ اقْرَأْ كَمَا سَمِعْتَهُ يَقْرَأُ.
وَأَمَّا الْأَمْرُ الثَّانِي، وَهُوَ شِدَّةُ قُوَّةِ جِبْرِيلَ النَّازِلِ بِهَذَا الْوَحْيِ فَقَدْ ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} [81/ 19- 20] وَقَوْلِهِ فِي آيَةِ التَّكْوِيرِ هَذِهِ: لَقَوْلُ رَسُولٍ أَيْ لِقَوْلِهِ الْمُبَلَّغِ لَهُ عَنِ اللَّهِ، فَقَرِينَةُ ذِكْرِ الرَّسُولِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا يُبَلِّغُ شَيْئًا أُرْسِلَ بِهِ، فَالْكَلَامُ كَلَامُ اللَّهِ بِأَلْفَاظِهِ وَمَعَانِيهِ، وَجِبْرِيلُ مُبَلِّغٌ عَنِ اللَّهِ، وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ نُسِبَ الْقَوْلُ لَهُ. لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا سَمِعَهُ إِلَّا مِنْهُ، فَهُوَ الْقَوْلُ الَّذِي أَرْسَلَهُ اللَّهُ بِهِ، وَأَمَرَهُ بِتَبْلِيغِهِ، كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ قَرِينَةُ ذِكْرِ الرَّسُولِ، وَسَيَأْتِي إِيضَاحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فِي سُورَةِ التَّكْوِيرِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى}.
قَدْ قَدَّمْنَا بَعْضَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْإِسْرَاءِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى}.
قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ بِكَثْرَةٍ فِي سُورَةِ النَّحْلِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ} الْآيَةَ [16/ 57]، وَفِي مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى}.
بَيَّنَ- جَلَّ وَعَلَا- فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ لَهُ الْآخِرَةَ وَالْأُولَى وَهِيَ الدُّنْيَا، وَبَيَّنَ هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ كَقَوْلِهِ: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى} [92/ 12]، وَبَيَّنَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ لَهُ كُلَّ شَيْءٍ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ} [27/ 91]، وَهَذَا مِنَ الْمَعْلُومِ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ.

.تفسير الآية رقم (26):

{وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (26)}:
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى}.
قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ} الْآيَةَ [2/ 48]،، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَوَاضِعِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى}.
وَقَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ فِي سُورَةِ الزُّخْرُفِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} [43/ 19]، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَوَاضِعِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى}.
قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي سُورَةِ الْأَحْقَافِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى} [46/ 3]، وَفِي سُورَةِ الذَّارِيَاتِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [51/ 56].
قَوْلُهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ}.
قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي سُورَةِ الشُّورَى فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} [42/ 37].
قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ}.
قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} [4/ 49]، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَوَاضِعِ.

.تفسير الآيات (33-41):

{أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (33) وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى (34) أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى (35) أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41)}:
قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى}.
قَوْلُهُ: {تَوَلَّى} أَيْ رَجَعَ وَأَدْبَرَ عَنِ الْحَقِّ، وَقَوْلُهُ: وَأَعْطَى قَلِيلًا، قَالَ بَعْضُهُمْ: قَلِيلًا مِنَ الْمَالِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَعْطَى قَلِيلًا مِنَ الْكَلَامِ الطَّيِّبِ، وَقَوْلُهُ: وَأَكْدَى أَيْ قَطَعَ ذَلِكَ الْعَطَاءَ وَلَمْ يُتِمَّهُ، وَأَصْلُهُ مَنْ أَكْدَى صَاحِبُ الْحَفْرِ إِذَا انْتَهَى فِي حَفْرِهِ إِلَى صَخْرَةٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْحَفْرِ فِيهَا، وَأَصْلُهُ مِنَ الْكُدْيَةِ وَهِيَ الْحِجَارَةُ تَعْتَرِضُ حَافِرَ الْبِئْرِ وَنَحْوَهُ فَتَمْنَعُهُ الْحَفْرَ، وَهَذَا الَّذِي أَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى اخْتَلَفَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ، فَقِيلَ: هُوَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ قَارَبَ أَنْ يُؤْمِنَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَيَّرَهُ بَعْضُ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: أَتَرَكْتَ دِينَ الْأَشْيَاخِ وَضَلَّلْتَهُمْ؟ قَالَ: إِنِّي خَشِيتُ عَذَابَ اللَّهِ، فَضَمِنَ لَهُ الَّذِي عَاتَبَهُ إِنْ هُوَ أَعْطَاهُ كَذَا مِنْ مَالِهِ وَرَجَعَ إِلَى شِرْكِهِ أَنْ يَتَحَمَّلَ عَنْهُ عَذَابَ اللَّهِ، فَرَجَعَ الْوَلِيدُ إِلَى الشِّرْكِ وَأَعْطَى الَّذِي عَيَّرَهُ بَعْضَ ذَلِكَ الْمَالِ الَّذِي ضَمِنَ وَمَنَعَهُ تَمَامَهُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْآيَةَ.
وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ: تَوَلَّى: أَيِ الْوَلِيدُ عَنِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ أَنْ قَارَبَ، وَأَعْطَى قَلِيلًا مِنَ الْمَالِ لِلَّذِي ضَمِنَ لَهُ أَنْ يَتَحَمَّلَ عَنْهُ ذُنُوبَهُ. وَأَكْدَى: أَيْ بَخِلَ عَلَيْهِ بِالْبَاقِي، وَقِيلَ: أَعْطَى قَلِيلًا مِنَ الْكَلَامِ الطَّيِّبِ كَمَدْحِهِ لِلْقُرْآنِ، وَاعْتِرَافِهِ بِصِدْقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، {وَأَكْدَى} أَيِ انْقَطَعَ عَنْ ذَلِكَ وَرَجَعَ عَنْهُ. وَقِيلَ: هُوَ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ، كَانَ رُبَّمَا وَافَقَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ، وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى إِعْطَائِهِ الْقَلِيلَ ثُمَّ انْقَطَعَ عَنْ ذَلِكَ، وَهُوَ مَعْنَى إِكْدَائِهِ، وَهَذَا قَوْلُ السُّدِّيِّ وَلَمْ يَنْسَجِمْ مَعَ قَوْلِهِ بَعْدَهُ: {أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ} الْآيَةَ [53/ 35]
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ أَنَّهُ أَبُو جَهْلٍ، قَالَ: وَاللَّهِ مَا يَأْمُرُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَذَلِكَ مَعْنَى إِعْطَائِهِ قَلِيلًا، وَقَطْعُهُ لِذَلِكَ مَعْرُوفٌ.
وَاقْتَصَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ عَلَى أَنَّهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ يُعْطِي مَالَهُ فِي الْخَيْرِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، وَهُوَ أَخُوهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ: يُوشِكُ أَلَّا يَبْقَى لَكَ شَيْءٌ. فَقَالَ عُثْمَانُ: إِنَّ لِي ذُنُوبًا وَخَطَايَا، وَإِنِّي أَطْلُبُ بِمَا أَصْنَعُ رِضَا اللَّهِ تَعَالَى، وَأَرْجُو عَفْوَهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَعْطِنِي نَاقَتَكَ بِرَحْلِهَا، وَأَنَا أَتَحَمَّلُ عَنْكَ ذُنُوبَكَ كُلَّهَا، فَأَعْطَاهُ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ، وَأَمْسَكَ عَنِ الْعَطَاءِ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ.
وَمَعْنَى: {تَوَلَّى} تَرَكَ الْمَرْكَزَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَعَادَ عُثْمَانُ إِلَى أَحْسَنَ مِنْ ذَلِكَ وَأَجْمَلَ. انْتَهَى مِنْهُ.
وَلَا يَخْفَى سُقُوطُ هَذَا الْقَوْلِ وَبُطْلَانُهُ، وَأَنَّهُ غَيْرُ لَائِقٍ بِمَنْصِبِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَقَدْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ الْكَرِيمَةُ سَبْعَةَ أُمُورٍ:
الْأَوَّلُ: إِنْكَارُ عِلْمِ الْغَيْبِ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ بِالْهَمْزَةِ فِي قَوْلِهِ: أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ وَالْمُرَادُ نَفْيُ عِلْمِهِ لِلْغَيْبِ.
الثَّانِي: أَنَّ لِكُلٍّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى صُحُفًا لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِيهَا هَذَا الْكَافِرُ.
الثَّالِثُ: أَنَّ إِبْرَاهِيمَ وَفَّى، أَيْ أَتَمَّ الْقِيَامَ بِالتَّكَالِيفِ الَّتِي كَلَّفَهُ رَبُّهُ بِهَا.
الرَّابِعُ: أَنَّ فِي تِلْكَ الصُّحُفِ أَنَّهُ أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى.
الْخَامِسُ: أَنَّ فِيهَا أَيْضًا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى.
السَّادِسُ: وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى.
السَّابِعُ: أَنَّهُ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى، أَيِ الْأَكْمَلَ الْأَتَمَّ.
وَهَذِهِ الْأُمُورُ السَّبْعَةُ قَدْ جَاءَتْ كُلُّهَا مُوَضَّحَةً فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
أَمَّا الْأَوَّلُ مِنْهَا، وَهُوَ عَدَمُ عِلْمِهِمُ الْغَيْبَ، فَقَدْ ذَكَرَهُ تَعَالَى فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ} [68/ 47]، وَقَوْلِهِ: {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} [19/ 78]، وَقَوْلِهِ: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ} [3/ 179]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} الْآيَةَ [72/ 26] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [27/ 65]، وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ هَذَا كَثِيرَةٌ مَعْلُومَةٌ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهَا مِرَارًا.
وَالثَّانِي: الَّذِي هُوَ أَنَّ لِإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى صُحُفًا لَمْ يَكُنْ هَذَا الْمُتَوَلِّي الْمُعْطِي قَلِيلًا الْمُكْدِي عَالِمًا بِهَا، ذَكَرَهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} [87/ 18- 19].
وَالثَّالِثُ مِنْهَا: وَهُوَ إِبْرَاهِيمُ وَفَّى تَكَالِيفَهُ، فَقَدْ ذَكَرَهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} [2/ 124]، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ فِي الْكَلِمَاتِ الَّتِي ابْتُلِيَ بِهَا أَنَّهَا التَّكَالِيفُ.
وَأَمَّا الرَّابِعُ مِنْهَا: وَهُوَ أَنَّهُ أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى، فَقَدْ ذَكَرَهُ تَعَالَى فِي آيَاتٍ مِنْ كِتَابِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [29/ 12]،
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [35/ 18].
وَقَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لِهَذَا، وَالْجَوَابُ عَمَّا يَرِدُ عَلَيْهَا مِنَ الْإِشْكَالِ فِي سُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [17/ 15]، وَذَكَرْنَا وَجْهَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْآيَاتِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ فِي سُورَةِ النَّحْلِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [16/ 25].
وَأَمَّا الْخَامِسُ مِنْهَا: وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى، فَقَدْ جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} الْآيَةَ [17/ 7]، وَقَوْلِهِ: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} [45/ 15]، وَقَوْلِهِ: {وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ} [30/ 44]، وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ هَذَا كَثِيرَةٌ مَعْلُومَةٌ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَسْتَحِقُّ أَجْرًا إِلَّا عَلَى سَعْيِهِ بِنَفْسِهِ، وَلَمْ تَتَعَرَّضْ هَذِهِ الْآيَةُ لِانْتِفَاعِهِ بِسَعْيِ غَيْرِهِ بِنَفْيٍ وَلَا إِثْبَاتٍ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى قَدْ دَلَّتِ اللَّامُ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ وَلَا يَمْلِكُ شَيْئًا إِلَّا بِسَعْيِهِ، وَلَمْ تَتَعَرَّضْ لِنَفْيِ الِانْتِفَاعِ بِمَا لَيْسَ مِلْكًا لَهُ وَلَا مُسْتَحَقًّا لَهُ.
وَقَدْ جَاءَتْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَنْتَفِعُ بِسَعْيِ غَيْرِهِ وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [52/ 21].
وَقَدْ أَوْضَحْنَا وَجْهَ الْجَمْعِ بَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} وَبَيْنَ قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ} الْآيَةَ فِي كِتَابِنَا دَفْعُ إِيهَامِ الِاضْطِرَابِ عَنْ آيَاتِ الْكِتَابِ فِي سُورَةِ النَّجْمِ، وَقُلْنَا فِيهِ مَا نَصُّهُ: وَالْجَوَابُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ الْآيَةَ إِنَّمَا دَلَّتْ عَلَى نَفْيِ مِلْكِ الْإِنْسَانِ لِغَيْرِ سَعْيِهِ، وَلَمْ تَدُلَّ عَلَى نَفْيِ انْتِفَاعِهِ بِسَعْيِ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ: وَأَنْ لَنْ يَنْتَفِعَ الْإِنْسَانُ إِلَّا بِمَا سَعَى، وَإِنَّمَا قَالَ:
وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ، وَبَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَرْقٌ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ سَعْيَ الْغَيْرِ مِلْكٌ لِسَاعِيهِ إِنْ شَاءَ بَذَلَهُ لِغَيْرِهِ فَانْتَفَعَ بِهِ ذَلِكَ الْغَيْرُ، وَإِنْ شَاءَ أَبْقَاهُ لِنَفْسِهِ.
وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى انْتِفَاعِ الْمَيِّتِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالدُّعَاءِ لَهُ وَالْحَجِّ عَنْهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا ثَبَتَ الِانْتِفَاعُ بِعَمَلِ الْغَيْرِ فِيهِ.
الثَّانِي: أَنَّ إِيمَانَ الذُّرِّيَّةِ هُوَ السَّبَبُ الْأَكْبَرُ فِي رَفْعِ دَرَجَاتِهِمْ، إِذْ لَوْ كَانُوا كُفَّارًا لَمَا حَصَلَ لَهُمْ ذَلِكَ. فَإِيمَانُ الْعَبْدِ وَطَاعَتُهُ سَعْيٌ مِنْهُ فِي انْتِفَاعِهِ بِعَمَلِ غَيْرِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، كَمَا وَقَعَ فِي الصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ صَلَاةَ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ يَتَضَاعَفُ بِهَا الْأَجْرُ زِيَادَةً عَلَى صَلَاتِهِ مُنْفَرِدًا، وَتِلْكَ الْمُضَاعَفَةُ انْتِفَاعٌ بِعَمَلِ الْغَيْرِ، سَعَى فِيهِ الْمُصَلِّي بِإِيمَانِهِ وَصَلَاتِهِ فِي الْجَمَاعَةِ، وَهَذَا الْوَجْهُ يُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ}.
الثَّالِثُ: أَنَّ السَّعْيَ الَّذِي حَصَلَ بِهِ رَفْعُ دَرَجَاتِ الْأَوْلَادِ لَيْسَ لِلْأَوْلَادِ كَمَا هُوَ نَصُّ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} وَلَكِنَّ مِنْ سَعْيِ الْآبَاءِ فَهُوَ سَعْيٌ لِلْآبَاءِ أَقَرَّ اللَّهُ عُيُونَهُمْ بِسَبَبِهِ، بِأَنْ رَفَعَ إِلَيْهِمْ أَوْلَادَهُمْ لِيَتَمَتَّعُوا فِي الْجَنَّةِ بِرُؤْيَتِهِمْ.
فَالْآيَةُ تُصَدِّقُ الْأُخْرَى وَلَا تُنَافِيهَا، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالرَّفْعِ إِكْرَامُ الْآبَاءِ لَا الْأَوْلَادُ، فَانْتِفَاعُ الْأَوْلَادِ تَبَعٌ فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ تَفَضَّلٌ مِنَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بِمَا لَيْسَ لَهُمْ، كَمَا تَفَضَّلَ بِذَلِكَ عَلَى الْوِلْدَانِ وَالْحُورِ الْعِينِ وَالْخَلْقِ الَّذِينَ يُنْشُؤُهُمْ لِلْجَنَّةِ. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. اهـ. مِنْهُ.
وَالْأَمْرُ السَّادِسُ وَالسَّابِعُ: وَهُمَا أَنَّ عَمَلَهُ سَوْفَ يُرَى، ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى، فَقَدْ جَاءَا مُوَضَّحَيْنِ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} الْآيَةَ [7/ 8- 9].
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [99/ 7- 8].
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [21/ 47].
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [17/ 13- 14]، وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ مَعْلُومَةٌ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فَهُوَ يَرَى أَيْ يَعْلَمُ ذَلِكَ الْغَيْبَ، وَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ سَبَبَ النُّزُولِ لَا يَخْلُو مِنْ إِعْطَاءِ شَيْءٍ فِي مُقَابَلَةِ تَحَمُّلِ الذُّنُوبِ عَمَّنْ أَعْطَى لِأَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ لَيْسَ عِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَيَعْلَمُ بِهِ أَنَّ الَّذِي ضَمِنَ لَهُ تَحَمُّلَ ذُنُوبِهِ بِفِعْلِ ذَلِكَ، وَلَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى، مِنْ أَنَّهُ: {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} أَيْ لَا تَتَحَمَّلُ نَفْسٌ ذَنْبَ نَفْسٍ أُخْرَى.
وَقَدْ قَدَّمْنَا تَفْسِيرَهُ مُوَضَّحًا فِي سُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِنْسَانُ وَلَا يَسْتَحِقُّ إِلَّا سَعْيَ نَفْسِهِ، وَقَدِ اتَّضَحَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَحَمَّلَ إِنْسَانٌ ذُنُوبَ غَيْرِهِ، وَقَدْ دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ مَعْلُومَةٌ.
وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ فِي الْبَحْرِ: أَفَرَأَيْتَ بِمَعْنَى أَخْبِرْنِي، وَالْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ هُوَ الْمَوْصُولُ وَصِلَتُهُ. وَالْمَفْعُولُ الثَّانِي هُوَ جُمْلَةُ أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى.

.تفسير الآية رقم (45):

{وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45)}:
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى}.
ذَكَرَ- جَلَّ وَعَلَا- فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ أَيِ النَّوْعَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنْ نُطْفَةٍ، وَهِيَ نُطْفَةُ الْمَنِيِّ إِذَا تُمْنَى أَيْ تُصَبُّ وَتُرَاقُ فِي الرَّحِمِ، عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ.
وَيَدُلُّ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} [56/ 58- 59]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى} [75/ 37].
وَالْعَرَبُ تَقُولُ: أَمْنَى الرَّجُلُ وَمَنِيَ؛ إِذَا أَرَاقَ الْمَنِيَّ وَصَبَّهُ.
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى أَيْ تُقَدَّرَ بِأَنْ يَكُونَ اللَّهُ قَدَّرَ أَنْ يَنْشَأَ مِنْهَا حَمْلٌ، مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: مَنِيَ الْمَانِي إِذَا قَدَّرَ. وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ أَبِي قِلَابَةَ الْهُذَلِيِّ، وَقِيلَ سُوِيدِ بْنِ عَامِرٍ الْمُصْطَلَقِيِّ:
لَا تَأْمَنِ الْمَوْتَ فِي حِلٍّ وَفِي حَرَمٍ ** إِنَّ الْمَنَايَا تُوَافِي كُلَّ إِنْسَانِ

وَاسْلُكْ سَبِيلَكَ فِيهَا غَيْرَ مُحْتَشِمٍ ** حَتَّى تُلَاقِيَ مَا يُمَنِّي لَكَ الْمَانِي

وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى النُّطْفَةِ مُسْتَوْفًى مِنْ جِهَاتٍ فِي سُورَةِ النَّحْلِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ} الْآيَةَ [16/ 4]. وَفِي سُورَةِ الْحَجِّ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ} [22/ 5]، وَفِي كُلٍّ مِنَ الْمَوْضِعَيْنِ زِيَادَةٌ لَيْسَتْ فِي الْآخَرِ.
وَمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ بِخَلْقِ النَّوْعَيْنِ، أَعْنِي الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنَ النُّطْفَةِ جَاءَ مُوَضَّحًا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَأَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَمْرَيْنِ: هُمَا قُدْرَةُ اللَّهِ عَلَى الْبَعْثِ، وَأَنَّهُ مَا خَلَقَ الْإِنْسَانَ إِلَّا لِيُكَلِّفَهُ وَيُجَازِيَهُ، وَقَدْ جَمَعَ الْأَمْرَيْنِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [57/ 36- 40]، فَذَكَرَ دَلَالَةَ ذَلِكَ عَلَى الْبَعْثِ فِي قَوْلِهِ: أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى، وَذَكَرَ أَنَّهُ مَا خَلَقَهُ لِيُهْمِلَهُ مِنَ التَّكْلِيفِ وَالْجَزَاءِ، مُنْكِرًا عَلَى مَنْ ظَنَّ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى أَيْ مُهْمَلًا مِنَ التَّكْلِيفِ وَالْجَزَاءِ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا بَعْضَ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا} [25/ 54].
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى}.
قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ، وَأَحَلْنَا عَلَيْهَا مِرَارًا كَثِيرَةً.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى}.
وَقَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لِمَا أَهْلَكَ بِهِ عَادًا. وَالْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لِمَا أَهْلَكَ بِهِ ثَمُودَ فِي سُورَةِ فُصِّلَتْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْكَلَامِ فِي شَأْنِ عَادٍ: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا} الْآيَةَ [41/ 16]. وَقَوْلِهِ فِي شَأْنِ ثَمُودَ: {فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ} الْآيَةَ [41/ 17].

.تفسير الآية رقم (52):

{وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى (52)}:
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى}.
قَوْلُهُ: {وَقَوْمَ نُوحٍ} مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى} [53/ 50]، أَيْ وَأَهْلَكَ قَوْمَ نُوحٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ هُنَا كَيْفِيَّةَ إِهْلَاكِهِمْ، وَلَكِنَّهُ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ مِنْ كِتَابِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ} الْآيَةَ [25/ 37].
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} [29/ 14].
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ} [21/ 77].
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا} [71/ 25].
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ} [11/ 37]، وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ مَعْلُومَةٌ.
وَمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِنْ كَوْنِ قَوْمِ نُوحٍ أَظْلَمَ وَأَطْغَى، أَيْ أَشَدَّ ظُلْمًا وَطُغْيَانًا مِنْ غَيْرِهِمْ، قَدْ بَيَّنَهُ تَعَالَى فِي آيَاتٍ أُخَرَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا} [71/ 5- 7].
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا} إِلَى قَوْلِهِ: {وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا} [71/ 21- 24].
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} [71/ 27].
وَقَوْلِهِ: {وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ} [11/ 38].
وَمِنْ أَعْظَمِ الْأَدِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} [29/ 14]، لِأَنَّ قَوْمًا لَمْ يَتَأَثَّرُوا بِدَعْوَةِ نَبِيٍّ كَرِيمٍ نَاصِحٍ فِي هَذَا الزَّمَنِ الطَّوِيلِ لَا شَكَّ أَنَّهُمْ أَظْلَمُ النَّاسِ وَأَطْغَاهُمْ.

.تفسير الآية رقم (53):

{وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53)}:
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى}.
الْمُؤْتَفِكَةُ مُفْتَعِلَةٌ مِنَ الْإِفْكِ، وَهُوَ الْقَلْبُ وَالصَّرْفُ، وَالْمُرَادُ بِهَا قُرَى قَوْمِ لُوطٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ: {وَالْمُؤْتَفِكَاتِ} [9/ 70]، بِالْجَمْعِ. فَهُوَ مِنْ إِطْلَاقِ الْمُفْرَدِ وَإِرَادَةِ الْجَمْعِ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ مِرَارًا، وَأَكْثَرْنَا مِنْ أَمْثِلَتِهِ فِي الْقُرْآنِ وَفِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَأَحَلْنَا عَلَيْهِ مِرَارًا، وَإِنَّمَا قِيلَ لَهَا: مُؤْتَفِكَةٌ، لِأَنَّ جِبْرِيلَ أَفَكَهَا فَائْتُفِكَتْ، وَمَعْنَى أَفَكَهَا أَنَّهُ رَفَعَهَا نَحْوَ السَّمَاءِ ثُمَّ قَلَبَهَا جَاعِلًا أَعْلَاهَا أَسْفَلَهَا، وَجَعْلُ عَالِيهَا أَسْفَلَهَا هُوَ ائْتِفَاكُهَا وَإِفْكُهَا.
وَقَدْ أَوْضَحَ تَعَالَى هَذَا الْمَعْنَى فِي سُورَةِ هُودٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً} الْآيَةَ [11/ 82].
وَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْحِجْرِ: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} [15/ 73- 74].
وَقَدْ بَيَّنَّا قِصَّةَ قَوْمِ لُوطٍ فِي هُودٍ وَالْحِجْرِ، وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَهْوَى تَقُولُ الْعَرَبُ: هَوَى الشَّيْءُ إِذَا انْحَدَرَ مِنْ عَالٍ إِلَى أَسْفَلَ. وَأَهْوَاهُ غَيْرُهُ إِذَا أَلْقَاهُ مِنَ الْعُلُوِّ إِلَى السُّفْلِ، لِأَنَّ الْمَلَكَ رَفَعَ قُرَاهُمْ ثُمَّ أَهْوَاهَا أَيْ أَلْقَاهَا تَهْوِي إِلَى الْأَرْضِ مُنْقَلِبَةً أَعْلَاهَا أَسْفَلَهَا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَزِفَتِ الْآزِفَةُ}.
قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي أَوَّلِ سُورَةِ النَّحْلِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} [16/ 1]، وَفِي سُورَةِ الْمُؤْمِنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ} [40/ 18].